من الأفخاخ الخطيرة التي نصبتها لنا هيئة الأمم المتحدة -عن طريق لجنة مركز المرأة بها- فخ يصعب الإنتباه اليه، وهو فخ النوع الإجتماعي وهي ترجمة إجتزائية لمصطلح الجندر- Gender، وهو المصطلح المفصلي الذي ظهر مفهومه الجديد في ستينيات القرن العشرين، على يد مجموعة من النسويات الراديكاليات -Radical Feminist- اللواتي تبنين فكرة تمحور الكون حول الأنثى –كما قال المفكر عبدالوهاب المسيري رحمه الله- وأنه في هذا الكون لا مكان للرجل، فالمرأة وحدها هي التي تقود، وتتحكم، أما الرجل فيكفيه أن يقوم على خدمة المرأة، وأن يقوم بالأعمال المتواضعة لتيسير قيام المرأة بدورها القيادي لهذا الكون.. تمهيدا للاستغناء الكامل عن الرجل!!
ولكن كيف يتحقق ذلك الإستغناء؟؟ دعونا نضرب مثالا توضيحيا.. لو قلنا أن الجسم به قلب وبه عقل، هل يستغني الجسم عن أي منهما؟ الاجابة: بالطبع لا، لماذا؟ لأن كل منهما له وظيفة مختلفة، وأساسية، وحيوية للجسم.
سؤال آخر: هل يمكن للجسم أن يستغني عن إحدى الكليتين؟ الإجابة: نعم، لماذا؟ لأن الكليتين تقومان بنفس المهمة، وبالتالي يمكن للجسم الإستغناء عن إحداهما.
لو أسقطنا هذا المثال على الرجل والمرأة.. فطالما كل منهما يقوم بدور مختلف ومتميز وحيوي، لن يمكن الإستغناء عن أي منهما، أما إذا تساوت الأدوار، وتوحدت، وقامت المرأة بنفس ما يقوم به الرجل، وقام الرجل بنفس ما تقوم به المرأة، حينها فقط يمكن الإستغناء عن أحدهما.
ومن هنا جاءت خطة النوع الاجتماعي.. ماذا يعني النوع الإجتماعي؟ يعني وفقا لواضعي النظرية: أن المجتمع هو الذي يحدد للرجل وظائفه ودوره في الأسرة والمجتمع، وهو الذي يحدد للمرأة وظائفها ودورها في الأسرة والمجتمع، أي أن التربية الأسرية هي التي تحدد ذلك.
يعني.. الأسرة تسمي الولد محمد، أو علي، أو عبد الله، في حين تسمي البنت: هدى، ومها، وحنان، والأسرة هي التي تشتري له الحصان والمسدس ليلعب بهما، في حين تشتري للبنت العروسة لتلعب بها، والأسرة هي التي تحرص على أن تتعلم الفتاة فنون إدارة المنزل، ورعاية أخوتها الصغار، بينما تكلف الولد أن يشتري الأغراض من الخارج، أو أن يحمي أخته اذا خرجا معا، وغير ذلك، وفي مجال الرياضة، الأسرة تحرص على تعليم الفتاة رياضات خفيفة، في حين يتعلم الولد رياضات عنيفة.
ووفقا لنظرية النوع الاجتماعي فإن كل تلك الفعاليات -اختيار الإسم، اللعبة، المناشط، الرياضة- هي التي ترسم للبنت مسار حياتها، فتصبح زوجة وربة منزل وأم، وترسم للولد مسار حياته، فيصبح زوج وأب ومتحمل لكافة الأعباء والمسئوليات الثقيلة عن الأسرة، وترى النسويات الراديكاليات أن هذا يعد ظلما للفتاة.. لماذا؟ لأن مسار الزوجية والأمومة هو مسار مجاني غير مدفوع الثمن -Unpaid role- بينما مسار العمل خارج المنزل هو مسار مدفوع الثمن، وبالتالي، ووفقا لنظرية النوع الإجتماعي، المرأة فقيرة والرجل غني!!! أي أن المرأة فقيرة لقيامها بأدوار غير مدفوعة الأجر، والرجل غني لقيامه بأدوار مدفوعة الأجر!! وهو ما يعرف في الفكر النسوي الراديكالي بنظرية تأنيث الفقر -Feminization of Poverty-.
ومن هنا تم التسويق لنظرية النوع الإجتماعي للقضاء على تأنيث الفقر، أي أن يتم التسوية المطلقة في أسلوب تربية الفتاة والصبي، فيتم تسميتهم بأسماء محايدة، ولا نشتري لهم ألعاب محددة، بل نتركهم يختارون ألعابهم، ولا نختص الفتاة أو الصبي بأنشطة محددة داخل البيت أو خارجه، ولا نختص كذلك أي منهما بألعاب رياضية محددة، بل ندفع بكل منهما نحو كل الالعاب ويختار كل منهما ما يشاء منها، وبالتالي يقوم كل منهما حين يكبر بنفس المهام ونفس الأدوار في الأسرة وفي المجتمع.
وتستكمل تلك المنظومة العجيبة بمنظومة أكثر عجبا، وهي المنظومة التشريعية، فتأتي وكيلات الأمم المتحدة من النسويات والمنظمات النسوية الراديكالية والمجالس المعنية بالمرأة والطفل في بلادنا، وتطرح بديلا عن القوامة داخل الأسرة وهو الشراكة والإحترام المتبادل، والتي أشرت إليها في مقالي السابق، بحيث تتشارك المرأة مع الرجل تماما في كل شيء: في الإنفاق، في أخذ القرار وتحمل تبعاته، في الأعمال المنزلية ورعاية كل ما يحتاج رعاية داخل المنزل، وبهذا يتدخل القانون لتطبيق نظرية النوع الإجتماعي فيصبح الرجل نسخة طبق الأصل من المرأة، وتصبح المرأة نسخة طبق الأصل من الرجل.
بقي أمر واحد، وهو الفارق الجسدي المتعلق بالإنجاب، وهو أمر تعمل النسويات الراديكاليات -المؤسسات لذلك الفكر والحاملات له في البلاد المختلفة- على معالجته عن طريق طرح فكرة أن الرجل يمكن أن يحمل ويلد، وقد شاهد العالم كله في إحدى الفضائيات قصة الرجل الذي حمل وأنجب -وقد كان امرأة غيرت جنسها واحتفظت بالرحم-.. ولا زالت الأبحاث تجرى من أجل إستنساخ البشر، وإلى أن يتم النجاح في إستنساخ كائن بشري، تقبل النسويات -مؤقتا- بفكرة أن تحمل المرأة وتلد، بشرط أن يتشارك الرجل معها في رعاية المولود بالكامل، حتى أجازة رعاية المولود، يقتسمانها معا.
وهناك بُعد آخر لنظرية النوع الإجتماعي، يتعلق بإدماج الشذوذ والشواذ في المجتمع، وذلك حين إستبدلت الإتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والطفل كلمة جنس-Sex- بكلمة جندر -Gender، فكلمة Sex تعني ذكر أو أنثى، فقط. أما كلمة Gender فتشمل: ذكر وأنثى وآخرين!! أي أنه وفقا لنظرية النوع الاجتماعي، يتساوى الذكر بالأنثى بالشاذ والشاذة!!
وقد وضعت هيئة الأمم المتحدة خطة لإدماج الجندر في كل المؤسسات، حكومية وغير حكومية، حتى يصبح الهواء الذي نستنشقه جندر، وبناء على تلك الخطة، تستنفر كل المؤسسات والأجهزة، والمجالس القومية للمرأة والطفولة لعقد مناشط، وندوات، وإحصاءات تقوم على النوع الإجتماعي!
ومن ثم لم يكن مفاجئا ما شاهدناه يوم الثلاثاء 20 نوفمبر على شاشات التلفاز من مشاركة المجلس القومى للمرأة، فى الاحتفال بيوم الإحصاء الإفريقي، الذي تبنته اللجنة الإقتصادية التابعة للأمم المتحدة UNECA، والذي حمل شعار -المساواة في إحصاء الرجل والمرأة- ..تعزيز إحصاءات النوع الاجتماعي للتنمية، وقد شاركت معه وزيرة التضامن الإجتماعي، ورئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، وممثل عن بنك التنمية الأفريقي للتنمية.. وقد ناقش المؤتمر قضية النوع الإجتماعى والتنمية ووضع المرأة فى مصر وأفريقيا، إلى جانب مناقشة وضع المرأة فى الدستور وقوانين ما بعد الثورة!
وأتحدى إن كان عموم المشاركين في المؤتمر يدركون تماما خلفيات أو المعنى الحقيقي لمصطلح النوع الإجتماعي، فقد يعلمون أن النوع الإجتماعي له علاقة بالمرأة، لكن ما طبيعة هذه العلاقة؟ أو ما خطورة ذلك المصطلح على الأسرة؟ لا يمكن أن يعلم أي شخص وطني مخلص هذه الخلفية، ثم يكتب مقال أو تغطية إعلامية مبرزا النوع الإجتماعي على أنه المخلص للبشرية من العذاب!
وإني أدعو كل مخلص في هذا البلد أن يتصدى لذلك الغثاء، الذي انتقل إلينا قبل ثورة 25 يناير المباركة من خلال الاتفاقيات الدولية التي أصدرتها الأمم المتحدة للمرأة والطفل، ووكلاء الأمم المتحدة من منظمات حقوقية تتقاضى الأموال الطائلة لتسويق وترويج تلك الإتفاقيات. تلك الإتفاقيات التي ورَّطَنا النظام السابق فيها، وسارع بالتوقيع والتصديق عليها، فتحولت إلى سيوف على رقابنا، نُرغَم على الإنصياع لها، تحت مبرر أننا جزء من المجتمع الدولي ولا نستطيع أن ننعزل عنه، أي أننا إما أن نقبل أن تنهدم الأسرة وتضيع الأخلاق والقيم عندنا، وأن نقبل بالشواذ بيننا، فنستعد للفناء كما تستعد له المجتمعات الغربية الآن، أو أن نكون منعزلين ومنقطعين عن المجتمع الدولي!!
أدعو كل القوى الوطنية الشريفة لحماية بلدنا مصر ودستورنا الذي يستقتل هؤلاء على جعله نسخة مطابقة للاتفاقيات الدولية.. أدعوهم للتصدي لوكلاء الأمم المتحدة، بدءا من المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة، ومنظمات المجتمع المدني التي تتقاضى التمويل المشبوه المصحوب بأجندة النوع الاجتماعي والمساواة التطابقية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وكل الأبواق التي تتحدث بإسم المجتمع الدولي، متجاهلة إرادة شعبنا الواعي في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية.. أدعو رئيس بلادنا المنتخب لتطهير كل تلك المؤسسات من كل من يدين بالولاء لغير الوطن ونحن معه نؤيده ونشد أزره.
{..وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]
الكاتب: م. كاميليا حلمي.
المصدر: المنتدي الإسلامي العالمي للإسرة والمرأة.